يعتبر الصفر رقم وعدد، وله دور أساسي في عالم الرياضيّات والحساب، ويعدّ الصفر عدداً حياديّ الجمع للأعداد الصحيحة والأعداد الحقيقيّة، وفي العديد من البنى الجبرية. ويستخدم الصفر كرقم كأن يستخدم كعنصر نائب في أنظمة القيم المكانيّة أو الموضعية. الصفر له أسماء عديدة في اللغة الإنجليزية مثل: Zero, Nil, Zip, Zilch, Naught, Nought. أصل تسمية الصفر بهذا الاسم هم العرب، وكلمة zero باللغة الإنجليزيّة أصلها الكلمة الفرنسية zero. وفي اللغة الإيطاليّة يسمّى cypher. والتسمية صفر تعني لا شيء؛ حيث تمّ استخدام التسمية zero باللغة الإنجليزية عام ١٥٩٨ م.
من اكتشف الصفر؟
وردت في بعض الروايات أنّه في القرن الثالث قبل الميلاد كان البابليّون هم أول من اخترع الصفر، ولكنه لم يكن يمثّل أي قيمة عددية لوحده، لذا يعتبر الصفر البابلي هو أقدم صِفْر مرّ على البشرية كلّها. أمّا بالنسبة للصين فيقال إنه في القرن الخامس قبل الميلاد توصّل الصينيّون إلى صفر مشابه للصفر البابلي، وبعد ما يقارب الثلاثة قرون اخترع الصينيّون الصفر؛ حيث كان يحمل قيمةً عدديّة. كما ذكرت الروايات أيضاً أنه لا توجد أيّة أدلّة تشير إلى أن الصفر عُرِف أو اكتُشِف في الحضارة المصرية، ولا يوجد أيّ حرف من الحروف الهيروغليفية يشبه أو يطابق الصفر. والأمر الّذي لا يعلمه الكثير أنّ قبائل المايا في المكسيك من أكثر الحضارات الأمريكية تطوّراً في ذلك الوقت؛ إذ أنّه تم العثور على أدلّة تشير إلى أن قبائل المايا المكسيكية اكتَشَفت الصفر، وكيفيّة استعماله أيضا قبل الحضارة الأوروبية بحوالي ٢٠٠٠ عام.
في بداية القرن الخامس قبل الميلاد اكتشف الصفر في الكتابات الهنديّة؛ حيث أطلق عليه اسم الفراغ، ووجد بمسمّيات عديدة مثل سونيا sunya، وسونيابينا sunyabinda، وأيضاً اسم kha الّذي يعني الثقب أو الفجوة؛ حيث كان يعبّر عنه بنقطة أو دائرة للدلالة على الصفر عند الهنود. كان الرياضيّون الهنود يقومون بكتابة الأرقام في أعمدة، وكان يعبّر عن الصفر بكتابة عمود فارغ. وهناك روايات تقول إنّ أصل معرفة العرب بالصفر هم الهنود؛ إذ أنّه حدث في عام ١٧٧٣ م بأن قَدِم إلى الخليفة المسلم المأمون - أبو جعفر المنصور- هندي فلكيّ يدعى كانكا، وهذا العالم الهندي مشهور بأنّه يمتلك الخبرة الواسعة بالحسابات الهنديّة. قام الخليفة أبو جعفر المنصور باستقبال هذا العالم والفلكي، وحينها قدّم عالم الفلك الهندي كانكا كتاباً باللغة الهندية اسمه السندهند للمؤلّف الهندي براهما هديّةً للخليفة، وكان هذا الكتاب يهتمّ بحركة الكواكب والحساب. وكان لكتاب السندهند للمؤلّف ابراهما الدور الكبير والأثر العظيم في مسيرة العلم عند العرب والمسلمين، فطلب الخليفة المأمون من العلماء العرب والمسلمين بترجمة هذا الكتاب من اللغة الهندية إلى اللغة العربيّة، فكان من أبرز هؤلاء العلماء والمسلمين الذين قاموا بترجمة كتاب السندهند هو العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي.
الخوارزمي
الخوارزمي هو محمّد بن موسى الخوارزمي، عاش وعائلته في خوارزم في خرسانه، ثم انتقل هو وعائلته إلى بغداد في العراق. وكانت الفترة ٨١٣- ٨٣٣ م هي الفترة التي نشر وأنجز فيها معظم أبحاثه وعلومه، وكان يقوم بأبحاثه ودراساته في دار الحكمة في عهد الخليفة المأمون، فكانت جميع كتبه ومؤلّفاته باللغة العربيّة؛ لأنّ لغة العلم في ذلك الوقت هي اللغة العربيّة. أثناء ترجمة العالم والمسلم الكبير الخوارزمي لكتاب السندهند لاحظ أنّ الهنود كانوا يستخدمون الأرقام من ( ١-9 )، وبعدها يقومون بوضع ثقب أو نقطة لتحلّ محل الرقم العاشر. إنّ محمّد بن موسى الخوارزمي هو عالم الرياضيات الذي ابتكر الصفر، وجعل من الصفر عدداً مهمّاً ذا قيمة في العمليات الحسابية.
استعمل العرب النقطة للتعبير عن الصفر، كما بيّنوا دور الصفر المهم في العمليات الحسابية، والأهميّة الكبيرة في تحديد مراتب أو تحديد خانات العشرات والمئات والألوف. كما ورد عن عالم الرياضيّات المسلم والعالم البارز في عمليّات الطرح؛ حيث إنّه إذا لم يكن هناك باقٍ نضع صفراً، ولا نترك المكان خالياً حتى لا يحدث لبسٌ بين خانة الآحاد وخانة العشرات، كما أنّ الصفر يجب أن يكون على يمين العدد؛ لأنّ الصفر إذا وضع على يسار العدد لا يغيّر من قيمته، فمثلاً عند إضافة صفر إلى يمين العدد (٣ ) تصبح( ٣٠ )، وعند وضع الصفر على يسار العدد (٣ ) تبقى (٠٣). يقول البيروني إنّ سبب تسمية شهر صَفَر بالصفر هو أنّ في ذلك الزمن كان هناك وباء يصيبهم فيمرضون، ويصبح لونهم أصفر من المرض، ويعتقد عدد من الباحثين أنّ كلمة صِفْر هي كلمة مشتقّة من فكرة الخلوّ والفراغ، وورد في الروايات أنّ في كتاب اللسان- تحت كلمة الصفر- " أن العرب سمّوا الشهر صَفَر لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من أغاروا عليهم صفراً من المتاع" وفي اللغة العربيّة نقول "عاد صفر اليدين".
الصفر عند العرب
عرف العرب الصفر، حيث إنّه في زمن الجاهلية كان الصفر يعني الشؤم لهم، حتّى ظهر الدِّين الإسلامي، فأصبح الصفر يدلّ على الخير، وبعد معرفة العرب بالصفر انتقل إلى أوروبا، فقام عالم الرياضيّات الإيطالي ليوناردو دو بيز بأخذ الصفر عن العرب وأخذ طريقتهم في كتابته والتعبير عنه، وأخذ أيضاً طريقة العرب في كتابة الأرقام من اليمين إلى اليسار، وبعدها وصل اختراع الصفر إلى فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإنجلترا. وبذلك ساهم اختراع الصفر إلى تخلّص الدول الأوروبية من نظام الأعداد الروماني المعقد. يعتبر الصفر هو أوّل الأعداد وأبسطها أيضاً وأكثر الأعداد دهشةً واستعمالاً، كما يمتاز الصفر بأنّه يرمز إلى اللاشيء، مع أنّه ذو قيمة كبيرة في الرياضيات. لم يكن من السهل اختراع الصفر، فعلى الرغم من بساطة وسهولة الصفر إلّا أنّ اختراعه لم يكن بالأمر السهل. اخترع الصفر منذ القدم؛ أي منذ آلاف السنين، إلّا أنه لم يتم استخدامه رمزاً لعدد؛ بل كان يقتصر استخدامه على وضعه بين الأرقام؛ أي استخدم كرمز يميّز بين الأرقام، فصحيح أنّ الصفر يعني لا شيء إلّا أنّه كان ذا قيمةٍ كبيرة في الرياضيات، فساعد الصفر في تسهيل المعاملات الحسابيّة والمعادلات الجبريّة.